السل: مرض من الماضي أم تهديد مستمر للصحة العامة؟
رغم أنه يُنظر إليه غالبًا كمرض من الماضي، لا يزال السل يشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص سنويًا ويؤدي إلى معدلات وفاة مرتفعة. تفاقم انتشار المرض بفعل عوامل مثل الفقر وسوء التغذية وظهور سلالات مقاومة للعلاجات التقليدية، مما يجعل مكافحته أكثر تعقيدًا.
في هذا السياق، يظل التوعية بطرق انتقال المرض ووسائل الوقاية منه ضرورة ملحة، حيث يعتمد الحد من انتشاره على تعبئة الجهود الصحية والمجتمعية.
الدكتور أبو بكر جنفي، أستاذ مساعد في أمراض الرئة بالمستشفى الجامعي لتلمسان، يتحدث عن التحديات التي يفرضها المرض والاستراتيجيات المطلوبة للتصدي له.
السل: تهديد قائم رغم التقدم الطبي
يؤكد الدكتور جنفي أن السل لا يزال يمثل خطرًا عالميًا بسبب انتشاره الواسع ومعدل الوفيات المرتفع الذي يسببه سنويًا. “ظهور سلالات مقاومة للمضادات الحيوية يجعل العلاج أكثر تعقيدًا، إذ يصبح أطول وأغلى وأحيانًا أقل فعالية”، يوضح المتحدث، مشيرًا إلى أن “العوامل الاجتماعية مثل الفقر وسوء التغذية والازدحام السكاني تساهم في انتقال العدوى، في حين أن الأفراد الذين يعانون من نقص المناعة أكثر عرضة للإصابة”.
ورغم توفر لقاح “بي سي جي”، إلا أنه “يوفر حماية محدودة، خاصة لدى البالغين”، ما يجعل التشخيص المبكر والعلاج السريع من الركائز الأساسية للحد من انتشار المرض.
إجراءات وقائية بسيطة لكنها فعالة
حول سبل الحد من انتقال العدوى، يشير الدكتور جنفي إلى أن “الوقاية تعتمد على التزام المرضى بارتداء الكمامات، والحرص على التهوية الجيدة للأماكن المغلقة، والاهتمام بالنظافة الشخصية”. كما يشدد على “ضرورة الفحص المبكر عند ظهور الأعراض، لضمان العلاج الفوري وتقليل خطر انتقال المرض”.
ويضيف: “تلقيح الرضع ومتابعة المرضى لضمان التزامهم بالبروتوكولات العلاجية من أهم الاستراتيجيات لمكافحة السل على المدى الطويل”.
تصحيح المفاهيم الخاطئة حول المرض
رغم التقدم الطبي، لا تزال بعض الأفكار المغلوطة حول السل منتشرة. “يعتقد البعض أنه مرض منقرض، في حين أنه لا يزال يصيب الملايين كل عام. كما يربطه البعض حصريًا بالفقر، رغم أن أي شخص معرض للإصابة في حال تعرضه لفترات طويلة لمريض حامل للعدوى”، يوضح الدكتور جنفي.
ويرد أيضًا على الاعتقاد الشائع بأن المرض مميت دائمًا: “في الواقع، يمكن الشفاء من السل إذا تم اتباع العلاج بشكل صحيح، وهو ما يبرز أهمية التوعية بضرورة الفحص المبكر والالتزام بالخطة العلاجية”.
أهمية الالتزام بالعلاج لتجنب المضاعفات
يُعد الالتزام بالعلاج من التحديات الكبرى في مواجهة المرض، حيث يتطلب العلاج فترة تتراوح بين 6 و12 شهرًا، ما قد يدفع بعض المرضى إلى التوقف قبل اكتماله. “هنا يأتي دور المرافقة الطبية المستمرة لضمان امتثال المريض للعلاج، خاصة في حالات السل المقاوم”، يوضح الدكتور جنفي، مضيفًا أن “الدعم الاجتماعي والاقتصادي، مثل توفير الأدوية مجانًا، يساعد في تقليل حالات التخلي عن العلاج”.
رسالة إلى الأجيال الشابة
يدعو الدكتور جنفي الشباب إلى “الوعي بأن السل لا يزال يمثل مشكلة صحية عامة، وأن الوقاية مسؤولية مشتركة”. كما يشدد على أهمية “اتباع تدابير بسيطة مثل تهوية الأماكن المغلقة، وارتداء الكمامة عند السعال المستمر، والحرص على النظافة الشخصية”، بالإضافة إلى “استشارة الطبيب فور ظهور أعراض مشبوهة لإجراء الفحص اللازم”.
ويختم قائلاً: “السل مرض قابل للعلاج، لكن القضاء عليه يتطلب التزامًا جماعيًا وتكثيف الجهود التوعوية، فالوقاية والتشخيص المبكر هما السلاحان الأهم في مكافحته”.
مالك سعدو