الصحة والسعادة في العطاء: كيف يغيّر دعم الآخرين حياتك؟
في عالم يتسابق فيه الجميع لتحقيق مكاسب شخصية، تبرز حقيقة بسيطة لكنها عميقة: مساعدة الآخرين ليست فقط وسيلة لتغيير حياتهم، بل هي أيضًا مفتاح لتحسين حياتك أنت. تظهر الأبحاث أن إنفاق الوقت، المال، أو الجهد على دعم الآخرين يمكن أن يكون من أكثر الطرق فعالية لتعزيز السعادة والرفاهية النفسية.
الدكتورة إليزابيث دان، أستاذة علم النفس بجامعة كولومبيا البريطانية، تصف هذا الأمر قائلة: “الفرح الذي نجده في دعم من حولنا هو جزء لا يتجزأ من طبيعتنا البشرية”. ووفقًا للعلماء، فإن تقديم المساعدة للآخرين يخلق دائرة إيجابية، حيث تزيد هذه الأفعال من شعورنا بالسعادة، مما يدفعنا للمزيد من العطاء.
دراسة أجريت عام 2008 قدّمت دليلًا قويًا على ذلك. طُلب من المشاركين إنفاق مبلغ مالي صغير إما على أنفسهم أو على شخص آخر، وكانت النتيجة أن الذين اختاروا دعم الآخرين شعروا برضا وسعادة أكبر بغض النظر عن قيمة المبلغ. وأثبتت دراسات لاحقة نفس الأثر الإيجابي، مما يجعل تقديم المساعدة وسيلة عملية لتحسين الحالة النفسية.
الأمر لا يقتصر على السعادة اللحظية، بل يمتد ليشمل الصحة الجسدية أيضًا. دراسة أجريت عام 2019 كشفت أن الأشخاص الذين يقدّمون المساعدة، مثل التبرع بالأموال للأطفال الأيتام، يشعرون بألم أقل عند تعرضهم لآلام جسدية مقارنةً بمن لا يقدمون المساعدة. وأكدت صور الأشعة الدماغية أن العطاء يخفف من نشاط مناطق الألم في الدماغ ويزيد من نشاط المناطق المرتبطة بالمكافأة والرضا.
كما أظهرت أبحاث أخرى أن التطوع والعمل المجتمعي يمنحان شعورًا داخليًا بالدفء والإيجابية، ويعززان شعور الإنسان بأهمية وجوده وتأثيره على العالم. بل حتى الأطفال الصغار، وفقًا لدراسة أجريت عام 2012، يشعرون بسعادة أكبر عند منح الآخرين شيئًا يخصهم مقارنة بتلقيهم نفس الشيء.
تقديم الدعم للآخرين لا يغير فقط حياة من نتعامل معهم مباشرة، بل يترك أثرًا على المجتمع ككل. الأفراد الذين يشاهدون أفعال الخير يشعرون بالتفاؤل تجاه العالم ويقلّ لديهم الإحساس بالسلبية. ويشير الباحث شون رودز إلى أن هذا التأثير الجماعي يخلق “دائرة اجتماعية إيجابية” تعزز السلوك الإيجابي في المجتمعات.
الدراسات تؤكد أن السعادة والعطاء يتبادلان التأثير: الأشخاص الأكثر رضا عن حياتهم يميلون إلى مساعدة الآخرين، بينما يساعد العطاء على تعزيز الرضا عن الحياة. هذه الحقيقة تجعل من تقديم المساعدة وسيلة بسيطة لكنها فعالة لتحسين حياتنا وحياة من حولنا.
لذا، في المرة القادمة التي تجد فيها فرصة لدعم شخص آخر، تذكّر أن ما تقدمه سيعود إليك بشكل أعمق مما تتصور، وستكتشف أن العطاء ليس فقط هدية للآخرين، بل هو هدية لنفسك أيضًا.
فاطمة الزهراء عاشور