اللطف في بيئة العمل الجامعية: بوابة لتعزيز الرفاهية والانتماء المؤسسي

أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة PLOS ONE أن تلقي اللطف في مكان العمل، خاصة في البيئة الجامعية، يمكن أن يحسن من رفاهية الأفراد، يقلل من مستويات التوتر، ويعزز الهوية المؤسسية. وتشير الدراسة إلى أن الأفعال البسيطة التي تعبر عن اللطف تُحدث تأثيراً إيجابياً واسع النطاق، ليس فقط على الأفراد الذين يتلقونها، ولكن أيضاً على المجتمع المحيط بهم.

وفقاً للباحث الرئيسي كانوهُو هوسودا، مدير مركز التميز للسكان الأصليين في كلية الطب بجامعة هاواي، فإن اللطف يُعرَّف على أنه مجموعة من الأفعال التي تؤكد على الكرامة وتعزز الإدماج الاجتماعي. وقد حدد الباحثون عدداً من المعايير التي تمثل هذا اللطف، منها: الثقة، الاستقلالية، الفهم، الإدماج، المعاملة العادلة، التقدير، الشعور بالأمان، والاعتراف بالهوية.

وأظهرت الدراسة أن الأفراد الذين يتلقون اللطف في بيئة العمل يميلون بشكل أكبر إلى تبني هذه السلوكيات ونقلها للآخرين، مما يخلق دائرة إيجابية من الدعم والتفاعل البنّاء. وأوضح هوسودا قائلاً: عندما نقول: ‘كونوا لطفاء مع بعضكم البعض، فإننا نسعى لتحويل هذا القولإلى أفعال ملموسة وقابلة للتنفيذ.”

شارك في الدراسة 182 من المتخصصين في مجال التعليم العالي، حيث أجابوا عن استبيانات تتعلق بتجاربهم مع مؤشرات اللطف المختلفة. وأشار هوسودا إلى أن بعض الكليات، مثل كلية الطب بجامعة هاواي، تطبق مبادرات عملية لتعزيز اللطف. ومن الأمثلة على ذلك إنشاء مجتمعات تعليمية تدعم الطلاب وتضمن شعورهم بالاندماج والانتماء.

وأكد الباحثون أن تعزيز اللطف في المؤسسات التعليمية، خاصة في مجال التعليم الطبي، يمكن أن يمتد تأثيره ليشمل ممارسات الرعاية الصحية ويعزز من جودة الخدمات المقدمة للمجتمع بشكل عام.

تتفق نتائج الدراسة مع تقرير حديث أصدرته شركة HP، والذي أشار إلى أن الموظفين يفضلون العمل مع قادة يتمتعون بالذكاء العاطفي والتعاطف، حتى لو كان ذلك على حساب رواتبهم. ومع ذلك، أكد التقرير أن العديد من الموظفين يشعرون بغياب هذا النوع من القيادة في بيئات عملهم.

وفي ظل انخفاض معدلات التفاعل والارتباط بين الموظفين في أماكن العمل، شدد خبراء خلال ندوة أقامتها أكاديمية الإدارة على أهمية تغيير استراتيجيات إدارة الموارد البشرية. وأوضحوا أن تحقيق سعادة الموظفين يتطلب بناء مجتمع مهني متكامل يدعم النقاش المفتوح، يعترف بمساهمات الأفراد، ويخلق بيئة تُشجع على الاحترام والتقدير.

يخلص الباحثون إلى أن اللطف ليس مجرد سلوك فردي، بل هو أداة استراتيجية يمكن للمؤسسات تبنيها لتحسين الإنتاجية وتعزيز الرفاهية العامة. فالأفعال البسيطة مثل التعبير عن التقدير، توفير بيئة آمنة للنقاش، أو حتى كلمات التشجيع، يمكن أن تُحدث تحولاً كبيراً في ثقافة العمل.

ومع التطور المستمر في فهم العلاقة بين اللطف والإنتاجية، يبدو أن الاستثمار في تعزيز القيم الإنسانية داخل المؤسسات ليس فقط ضرورة أخلاقية، ولكنه أيضاً وسيلة لتحقيق أهداف طويلة الأمد تعود بالنفع على الأفراد والمجتمع ككل.

فاطمة الزهراء عاشور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد