مسحوق البروتين… مكمل غذائي صحي أم مصدر خطر خفي؟
كشفت منظمة Consumer Reports الأميركية، في تحقيق حديث، عن نتائج مثيرة للقلق تتعلق بمستويات الرصاص في مساحيق البروتين التي أصبحت من أكثر المكملات الغذائية انتشاراً في العالم. فقد أظهرت التحاليل أن أكثر من ثلثي المنتجات التي خضعت للفحص تحتوي على نسب من الرصاص تفوق الحدّ الموصى به، ما يثير تساؤلات جدية حول سلامة هذه المكملات التي تُروّج على نطاق واسع باعتبارها “صحية” و“آمنة”.
شمل التحقيق تحليل ثلاثة وعشرين نوعاً من مساحيق البروتين ومشروبات البروتين الجاهزة. وأظهرت النتائج أن بعض العلامات التجارية المعروفة تحتوي على نسب مرتفعة جداً من الرصاص، إذ سجل أحد المنتجات النباتية أكثر من سبعة وسبعين ميكروغراماً من الرصاص في الجرعة الواحدة، وهو ما يعادل أكثر من خمسة عشر ضعفاً للحدّ الذي تعتبره المنظمة مقلقاً للصحة. المدهش أن المنتجات النباتية، التي عادة ما تُسوّق على أنها طبيعية وخالية من المخاطر، كانت الأكثر تلوثاً مقارنة بالأنواع المستخلصة من الحليب أو البروتين الحيواني.
ويرجّح الخبراء أن مصدر التلوث بالرصاص يعود في الأساس إلى التربة التي تنمو فيها النباتات المستخدمة في تصنيع هذه المساحيق، إذ تمتص المعادن الثقيلة من التربة الملوثة، لتنتقل لاحقاً إلى المنتج النهائي. كما يمكن أن تساهم عمليات التصنيع والنقل والتعبئة في زيادة نسبة هذه المعادن، خاصة في ظل غياب رقابة صارمة على سوق المكملات الغذائية.
ورغم أن تناول هذه المنتجات بشكل عرضي لا يشكّل خطراً فورياً، إلا أن الاستهلاك المنتظم لها قد يؤدي إلى تراكم الرصاص في الجسم على المدى الطويل، وهو ما يمثل خطراً حقيقياً، خصوصاً على الأطفال والنساء الحوامل والرياضيين الذين يعتمدون يومياً على هذه المكملات. ويؤكد الأطباء أن التعرض المزمن للرصاص يمكن أن يتسبب في اضطرابات عصبية، ومشاكل في الذاكرة والتركيز، وضعف في الكلى والخصوبة.
ويشدد المختصون على أن الحل لا يكمن في مقاطعة مساحيق البروتين بشكل مطلق، بل في الاعتدال والاختيار الواعي. فالمستهلك مدعو إلى التحقق من مصدر المنتج، واختيار العلامات التي تُفصح بوضوح عن نتائج اختبارات المعادن الثقيلة، مع تجنّب الاعتماد المفرط على المكملات كبديل للغذاء الطبيعي. فمصادر البروتين الطبيعية مثل اللحوم البيضاء، الأسماك، البيض، البقوليات، والمكسرات تبقى الخيار الأكثر أماناً وتوازناً.
تطرح هذه النتائج مجدداً مسألة ضعف الإطار التنظيمي لسوق المكملات الغذائية وضرورة تشديد الرقابة على هذا القطاع الذي ينمو بسرعة ويستفيد من ثغرات قانونية كبيرة. فبينما تُطرح آلاف المنتجات الجديدة كل عام، لا تخضع إلا نسبة قليلة منها لاختبارات مستقلة تضمن سلامة المستهلك.
إن هذا التحقيق يذكّرنا بأن المظهر الصحي قد يكون مضللاً، وأن ما يُقدّم للمستهلك في عبوة أنيقة على أنه “غذاء متكامل” قد يخفي في الواقع مواد سامة لا تقل خطورة عن أي منتج صناعي آخر. فالصحة ليست في المسحوق ولا في المكمل، بل في التوازن الغذائي والاعتدال في كل شيء.
فاطمة الزهراء عاشور