الإفطار المتأخر… إنذار صامت يتسلل مع التقدم في العمر

لم يعد توقيت الإفطار تفصيلاً عادياً في الروتين اليومي، بل أصبح في ضوء الدراسات الحديثة مؤشراً خفياً على تراجع الصحة. فحين يؤخر الإنسان وجبته الأولى بعد الاستيقاظ، خاصة مع التقدم في العمر، فإن ذلك قد يكون أكثر من مجرد عادة غذائية، بل علامة تستحق الإصغاء والتمعّن.

دراسة واسعة تابعت ما يقارب ثلاثة آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين 42 و94 عاماً على مدى عقدين كاملين، خلصت إلى نتيجة لافتة: كل ساعة تأخير عن الإفطار ترفع احتمالات الوفاة بنسبة قد تصل إلى 11%، حتى عند استبعاد العوامل الأخرى مثل العمر أو الجنس أو نمط الحياة.

الذين يتأخرون في الإفطار ليسوا فقط أكثر عرضة للإرهاق المستمر، بل يعانون أيضاً من ضعف الشهية، مشاكل في صحة الفم، اضطرابات المزاج والاكتئاب، فضلاً عن أمراض مزمنة كالسكري وأمراض القلب. الصورة تبدو أوضح حين ننظر إلى الآلية البيولوجية: فالساعة الداخلية للجسم، التي تنظم إيقاع النهار والليل، تتأثر مباشرة بتوقيت الوجبات. وعندما يُؤخَّر الإفطار، يختل هذا التوازن، فتضعف استجابة الجسم للأنسولين، ويزداد الميل إلى الإفراط في الطعام لاحقاً.

بالنسبة لكبار السن، تأخير الإفطار قد يخفي وراءه ما هو أعمق: تراجع الشهية بسبب مشاكل صحية، أو انعكاس لحالة نفسية غير مستقرة، أو حتى بداية لانخفاض تدريجي في القدرة على الحفاظ على توازن يومي سليم.

هكذا يتحوّل الإفطار من مجرد وجبة افتتاحية لليوم إلى مرآة دقيقة لحالة الجسد والعقل. وتوقيته، قبل أن يكون شأناً غذائياً، يصبح فعلاً اختياراً صحياً حاسماً، قد يرسم الفارق بين حياة تتدفق بطاقة منتظمة وأخرى يهددها الوهن بصمت.

فاطمة الزهراء عاشور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد