الكركم… كنز ذهبي يخفي أسرار الشفاء
لم يعد الكركم مجرد بهار يضفي لونًا ذهبياً على الأطباق، بل بات محطّ اهتمام الباحثين حول العالم بفضل مركبه الفعّال «الكركمين» الذي يتمتع بخصائص مضادة للالتهابات والأكسدة. الأبحاث الحديثة تكشف أن هذه النبتة الشرقية، التي ارتبطت منذ قرون بالطب التقليدي، قادرة على المساهمة في الوقاية أو التخفيف من عدة أمراض شائعة، بعضها مزمن ومعقد.
في مجال المفاصل مثلاً، أظهرت مراجعة علمية لقرابة ثلاثين تجربة سريرية أن مكملات الكركم تقلل من الألم والتيبّس عند مرضى التهاب المفاصل، مع آثار جانبية أقل مقارنة ببعض الأدوية التقليدية. أما على صعيد القلب والأوعية، فقد برهنت دراسات أخرى على أن الكركمين يساعد في خفض الكوليسترول الضار، تحسين ضغط الدم، ودعم مرونة الأوعية، وهي عناصر حاسمة للوقاية من النوبات القلبية.
النتائج بدت واعدة أيضاً في أمراض الأمعاء الالتهابية مثل الكرون والتهاب القولون التقرّحي، حيث ساعد الكركم على تقليل الانتكاسات وتعزيز فعالية العلاجات الدوائية. وفي الأمراض العصبية التنكسية كألزهايمر وباركنسون، تشير أدلة متزايدة إلى أن خصائصه المضادة للالتهاب قد تحمي الخلايا العصبية من التلف وتبطئ التدهور العقلي.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك. فقد بينت تجارب أن الكركم يحسّن المزاج ويخفف من أعراض الاكتئاب عبر تحفيز بروتين يدعم نمو الخلايا العصبية. كما أنه يساعد على تقليل أعراض الحساسية الموسمية، ويخفف من تهيج الجلد في حالات مثل الأكزيما والصدفية. وحتى في ميدان السرطان، وإن كانت الأبحاث لا تزال في بداياتها، إلا أن بعض النتائج أظهرت أن الكركم قد يبطئ نمو الخلايا السرطانية ويحسن تحمل المرضى للعلاج الكيميائي.
في داء السكري من النوع الثاني، يساهم الكركمين في تحسين استجابة الجسم للإنسولين والسيطرة على مستويات السكر. وفي أمراض التنفس المزمنة مثل الربو وCOPD، يساعد على تهدئة الالتهاب وتسهيل التنفس.
لكن هذه الصورة المشرقة لا تعني أن الكركم علاج سحري أو بديلاً عن الطب الحديث. فهو يظل مكملاً يمكن أن يدعم العلاج إذا استُخدم باعتدال. فالإفراط في تناوله قد يؤدي إلى اضطرابات في المعدة أو يزيد من خطر النزيف عند من يتناولون أدوية مميعة للدم. كما يُنصح مرضى السكري والحوامل والمرضعات بالحذر واستشارة الطبيب قبل استخدامه كمكمل غذائي.
الكركم إذن، ليس مجرد بهار تقليدي، بل “صيدلية طبيعية” تفتح آفاقًا جديدة في الطب الوقائي. وبينما تتواصل الدراسات لتأكيد دوره في بعض الأمراض المعقدة، يبقى إدخاله في النظام الغذائي اليومي — بلمسة من الفلفل الأسود لتعزيز امتصاصه — خيارًا صحيًا لا يخلو من الفوائد.
فاطمة الزهراء عاشور