حرارة قاتلة ورطوبة خانقة… كوكب يقترب من حدود الحياة

في السنوات الأخيرة، لم تعد التحذيرات البيئية مجرّد توقعات بعيدة الأمد، بل تحولت إلى واقع مقلق يعيشه الملايين يوميًا. دراسة جديدة نُشرت في مجلة المراجعات السنوية للبيئة والموارد (Annual Review of Environment and Resources) عام 2025، تكشف أن العالم يواجه تصاعدًا خطيرًا في موجات الحرّ القاتلة المصحوبة برطوبة مرتفعة، وهي ظروف مناخية يمكن أن تجعل الحياة البشرية شبه مستحيلة.

الباحثون يصفون هذه الظاهرة بما يُعرف بـ «مؤشر الحرارة الرطبة» (Wet-Bulb Temperature)، وهو مقياس يجمع بين الحرارة والرطوبة لقياس قدرة الجسم على التعرّق والتبخر، أي الآلية الطبيعية التي تحفظ درجة حرارة الإنسان مستقرة. فإذا تجاوز هذا المؤشر حاجز 35 درجة مئوية، فإن الجسم يفقد قدرته على التبريد، ما يؤدي إلى انهيار حراري سريع قد يفضي إلى الموت في غضون ساعات قليلة.

ورغم أن هذه العتبة بدت لوقت طويل شبه مستحيلة على سطح الأرض، إلا أن بيانات جديدة تشير إلى أن بعض المناطق في جنوب آسيا والخليج العربي وأجزاء من إفريقيا بدأت تقترب منها، بل وتشهد تسجيلات محلية تخطت هذه القيم الخطيرة لبضع ساعات.

الأخطر، وفقًا للباحثين، هو أن تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري، خصوصًا حرق الوقود الأحفوري وانبعاثات غازات الدفيئة، يزيد من احتمال تكرار هذه الظروف القاتلة بشكل متسارع. فبينما كان يُعتقد أن بلوغ هذه العتبة قد يحدث مع نهاية القرن، تُظهر النماذج المناخية أن بعض المناطق قد تعانيها في العقود القليلة المقبلة.

هذه الموجات الحرارية الرطبة لا تقتصر أضرارها على الصحة المباشرة فحسب، بل تهدد الزراعة والأمن الغذائي، إذ إن النباتات والحيوانات أيضًا لها حدود حرارية لا يمكن تجاوزها. كما أن ارتفاع الحرارة والرطوبة يضاعف الضغط على البنى التحتية، من الكهرباء والتبريد إلى إمدادات المياه، ما يجعل التأقلم معها تحديًا صعبًا حتى بالنسبة لأكثر الدول تجهيزًا.

في مواجهة هذا الخطر، يشدد العلماء على أن التخفيف من الانبعاثات الكربونية يبقى السبيل الأكثر فعالية لتقليل المخاطر المستقبلية. لكنهم في الوقت نفسه يدعون إلى تسريع خطط التكيّف: بناء مساكن أكثر مقاومة للحرارة، توسيع المساحات الخضراء في المدن، تطوير أنظمة إنذار مبكر، وتثقيف المجتمعات حول كيفية حماية أنفسهم أثناء موجات الحر.

الدراسة تطرح سؤالًا وجوديًا يتجاوز لغة الأرقام والنماذج: هل يستطيع الإنسان أن يعيش على كوكب تتزايد فيه «الحرارة الرطبة» لتقترب من حدود الحياة نفسها؟ الجواب ليس في متناول العلماء وحدهم، بل هو مسؤولية مشتركة تتطلب تغييرًا جذريًا في أنماط استهلاكنا، وفي علاقتنا بالطاقة والبيئة.

في النهاية، ما تحذر منه هذه الأبحاث ليس مجرد مستقبل بعيد، بل إنذار حاضر: الكوكب يزداد سخونة ورطوبة، والخطر لم يعد نظريًا بل ملموسًا. إن إدراك هذا الواقع قد يكون الخطوة الأولى نحو إنقاذ ما تبقى من قدرة الأرض على أن تكون بيتًا صالحًا للحياة.

فاطمة الزهراء عاشور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد