السكري الخفي من النوع 1.5: المرض الملتبس الذي يختبئ بين النوعين الأول والثاني
في عالم الطب، لا تزال بعض الحالات النادرة تربك الأطباء والمرضى على حد سواء. من بينها السكري المعروف باسم “النوع 1.5” أو السكري الكامن المناعي لدى البالغين (LADA)، وهو مرض يجمع بين خصائص السكري من النوع الأول والثاني، ما يجعل تشخيصه صعبًا ويؤدي في كثير من الأحيان إلى أخطاء قد تُكلف المريض صحته على المدى البعيد.
على عكس النوع الأول الذي يظهر عادة في سن الطفولة والمراهقة، يتطور هذا الشكل من السكري في مرحلة البلوغ، وغالبًا ما يُشخّص خطأً على أنه سكري من النوع الثاني. لكن مع مرور الوقت، تفشل الأدوية الفموية المعتادة، ويجد المريض نفسه في حاجة إلى الأنسولين نتيجة تراجع خلايا البنكرياس المنتجة له بشكل تدريجي. وتشير الدراسات إلى أن ما بين 2% و12% من حالات السكري لدى البالغين قد تكون في الحقيقة إصابات بـLADA، وهو ما يعكس حجم الالتباس الطبي الذي يرافق هذه الحالة.
الأعراض لا تختلف كثيرًا عن أشكال السكري الأخرى: عطش مستمر، تبول متكرر، فقدان وزن غير مبرر، تعب عام واضطرابات في الرؤية. غير أن خطورة المرض تكمن في صمته وخداعه، إذ يظل لفترة طويلة يتظاهر كأنه سكري من النوع الثاني، فيما تتآكل قدرات الجسم على إنتاج الأنسولين من الداخل. وعندما يتأخر التشخيص، يكون المريض معرضًا لمضاعفات خطيرة مثل اعتلال الكلى أو الشبكية وحتى الحماض الكيتوني السكري.
للتأكد من التشخيص، يعتمد الأطباء على فحص خاص للأجسام المضادة، وعلى رأسها مضاد GAD، الذي يكشف الطابع المناعي للمرض. وهنا تتضح الفروق الجوهرية بينه وبين السكري من النوع الثاني، إذ إن العلاج لا يمكن أن يظل محصورًا في الأقراص الفموية وتغيير نمط الحياة، بل يستدعي في الغالب الانتقال المبكر إلى الحقن بالأنسولين للحفاظ على توازن الجسم وتجنب التدهور السريع.
هذه الحالة النادرة عرفت اهتمامًا أكبر بعد أن كشف المغني الأمريكي لانس باس عن إصابته بالسكري من النوع 1.5، بعدما ظل لفترة يخضع لعلاج خاطئ باعتباره مريضًا بالنوع الثاني. قصته أعادت تسليط الضوء على ضرورة التوعية بهذا الشكل الخاص من السكري، وعلى أهمية اليقظة الطبية في مواجهة الحالات الملتبسة.
الرسالة واضحة: كل مريض سكري بالغ لا يستجيب للعلاجات التقليدية عليه أن يطرح على طبيبه سؤالًا بسيطًا لكنه قد يغيّر مجرى حياته: “هل يمكن أن أكون مصابًا بالنوع 1.5؟”. فالوعي، إلى جانب التشخيص المبكر، يظل السلاح الأول لتجنب مأساة طبية صامتة.
فاطمة الزهراء عاشور