التزام دولي للقضاء على العنف ضد الأطفال: أكثر من مليار طفل ضحية للاعتداءات المتعددة

في تقرير صادم صادر عن منظمة الصحة العالمية، كُشف عن مأساة عالمية مستمرة يعاني منها الأطفال، حيث يُعاني أكثر من مليار طفل حول العالم من أشكال متنوعة من العنف. تتراوح هذه الأشكال بين الإساءة، التنمر، العنف الجسدي والنفسي، وحتى الاعتداء الجنسي. ووفقًا للتقرير، فإن طفلًا أو مراهقًا يفقد حياته جراء جريمة قتل كل 13 دقيقة، مما ينتج عنه حوالي 40 ألف حالة وفاة سنويًا يمكن تجنبها. في حدث غير مسبوق، اجتمع أكثر من 100 حكومة حول العالم يوم الخميس، 2 نوفمبر، في بوغوتا، كولومبيا لإعلان التزامات تاريخية تهدف للحد من هذه الظاهرة، محدثين بذلك بصيص أمل لإنهاء هذه الأزمة العالمية.

يشير تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن 9 أطفال من أصل 10 يعيشون في بلدان حيث لا تزال أشكال العنف الموجهة ضد الأطفال، كالعقوبات الجسدية والاعتداءات الجنسية، غير محظورة قانونيًا. أكثر من نصف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين و17 سنة، أي أكثر من مليار طفل، يتعرضون لعنف ما بشكل سنوي. ينعكس هذا العنف سلبًا على صحتهم النفسية والجسدية، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، ويدفعهم إلى سلوكيات خطرة كالعلاقات الجنسية غير الآمنة، التدخين، وتعاطي المخدرات، فضلاً عن تراجع أدائهم الدراسي.

وللوقوف أمام هذا التهديد المتنامي، قامت أكثر من 100 حكومة بتعهدات هامة خلال الاجتماع الأخير في بوغوتا. وقد التزمت تسع دول بسنّ قوانين تحظر العقوبات الجسدية، وهو شكل من أشكال العنف الذي يتعرض له ثلاثة من بين كل خمسة أطفال في بيوتهم. وتعليقًا على هذه الالتزامات، صرّح الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، قائلًا: “رغم إمكانية تجنبه، يبقى العنف واقعًا مؤلمًا لملايين الأطفال يوميًا، تاركًا ندوبًا نفسية تمتد عبر الأجيال. إن هذه الالتزامات، حال تنفيذها، قد تسهم بشكل كبير في تغيير مسار العنف ضد الأطفال، سواء بتقديم الدعم للأسر، أو جعل المدارس أكثر أمانًا، أو مكافحة الاعتداءات عبر الإنترنت.”

وتبرز أهمية هذا التحرك الدولي بالنظر إلى الأرقام التي تشير إلى أن ثلاثة أطفال من كل خمسة يتعرضون للعقوبات الجسدية بانتظام في منازلهم، كما أن طفلة من بين خمس فتيات وطفل من بين سبعة أولاد يعانون من العنف الجنسي. وتظهر الأبحاث أن ما بين 25 و50% من الأطفال تعرضوا للتنمر. هذه الإحصاءات تؤكد الحاجة الماسة إلى سياسات وقائية، خصوصًا أن العنف الموجه ضد المراهقين الذكور، والذي يُنفذ غالبًا باستخدام الأسلحة، بات أحد أبرز أسباب الوفاة في هذه الفئة العمرية، مهددًا مستقبلهم وصحتهم.

تشمل الحلول التي طرحتها منظمة الصحة العالمية برامج دعم الوالدين لمنع العنف داخل الأسر، وتعزيز التفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء. كما تشمل التدخلات المدرسية التي تهدف إلى بناء المهارات الحياتية والاجتماعية للأطفال والمراهقين، وتقديم خدمات اجتماعية وصحية ملائمة للأطفال المتعرضين للعنف، بالإضافة إلى فرض قوانين تجرّم العنف ضد الأطفال، وتقليل عوامل الخطورة مثل توافر الكحول والأسلحة، وتطوير استراتيجيات تضمن استخدامًا آمنًا للإنترنت من قبل الأطفال.

وقد أثبتت الأبحاث أن البلدان التي تطبق استراتيجيات فعّالة للحد من العنف ضد الأطفال يمكنها تحقيق انخفاض ملحوظ في معدلات العنف بنسبة تصل إلى 20-50%. وتتجلى هذه الجهود في إطار تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، التي حددتها الأمم المتحدة، والتي تسعى إلى إنهاء العنف ضد الأطفال. ومع ذلك، فإن التقدم المحرز في الحد من انتشار العنف ضد الأطفال لا يزال بطيئًا، رغم النجاحات التي تحققت في بعض الدول.

رغم الجهود الدولية والتعهدات، يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذه الالتزامات إلى سياسات عملية تحقق حماية حقيقية للأطفال حول العالم. لا شك أن التحديات كبيرة، ولكن العزيمة الدولية المشتركة في القضاء على العنف ضد الأطفال تمثل خطوة هامة نحو بناء مستقبل أكثر أمانًا للأجيال القادمة.

فاطمة الزهراء عاشور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد